فصل في الأدب لأسامة بن منقذ

قال الله عزّ وجل في سورة البقرة: " وعلَّم آدم الأسماء كلها ثمّ عرضهم على الملائكة فقال: انْبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين "(2) فمن لا شريعة له لا إيمان له ولا توحيد. والشريعة موجبةٌ للأدب، فمن لا أدب له لا شريعة له ولا إيمان ولا توحيد.
وقال ابن عطاءٍ رحمه الله: الأدب الوقوف مع المستحسنات. فقيل: وما معناه ؟ قال: أن تعامل الله تعالى بالأدب سرّاً وإعلاناً، فاذا كنتَ كذلك كنت أديباً وإن كنت أعجميّاً.
قال الجُريري(3) رحمه الله : منذ عشرين سنةً ما مددت رجلي وقت جلوسي للخلوة، فإنَّ حسن الأب مع الله تعالى أولى.(4)
وروي عن ابن سيرين(5) رحمه الله: أنه سئل: أي الآداب أقرب إلى الله ! فقال: معرفة ربوبيته، وعملٌ بطاعته، والحمد لله على السِّرَّاء، والصبر على الضَّراء .
وقال رجل(6) من قيس لرجل من قريش: اطلب الأدب فإنه زيادةٌ في العقل، ودليلٌ على المروءة، وصلة في المجلس، ثم قال:

تَعَلَّمْ فَليسَ المَرْءُ يُخْلَقُ عَالِماً ... وَليسَ أَخُو عِلْمٍ كَمَنْ هُوَ جَاهِلُ
فَإِنَّ كَبيرَ القَومِ لاَ عِلمَ عِندَهُ ... صَغيرٌ إِذَا صُمَّتْ عَلَيْهِ المَحَافِلُ
وَلاَ تَرْضَ مِنْ عَيْشٍ بدُونٍ وَلاَ يَكُنْ ... نَصِيبُكَ إِرْثٌ قَدَّمَتْهُ الأَوَائِلُ

وكان يقال: من حسن الأدب أن لا تنازع من فوقك، ولا تقولَ مالا تعلم، ولا تتعاطى مالا تنال، ولا يخالف لسانك ما في قلبك، ولا قولك فعلك، ولا تدع الأمر إذا أقبل وتطلبه إذا أدبر.
ويقال: من أدَّب صغيراً قرَّت عينه كبيراً، ومن أدَّب ابنه أرغم أنف عدوِّه.
وكان يقال: ثلاثةٌ ليس معهن غربةٌ: مجانبة الريب، وكف الأذى، وحسن الأدب.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)قال ابن خلكان في وفيات الأعيان: أسامة بن منقذ: أبو المظفر أسامة بن مرشد بن علي مقلد بن نصر بن منقذ الكناني الكلبي الشيزري الملقب مؤيد الدولة مجد الدين، من أكابر بني منقذ أصحاب قلعة شيزر وعلمائهم وشجعانهم، سكن دمشق ثم انتقل إلى مصر له تصانيف عديدة في فنون الأدب. وله ديوان شعر في جزأين منه

ومنه في ابن طليب المصري، وقد احترقت داره:

انتهى بتصرف كثير
(2) سورة البقرة آية (31)
(3) أبو محمد الجُريرى(ت311 ) من الهجرة
قال ابن الملق في طبقات الأولياء: أحمد بن محمد الحسين الجُريرى - بضم الجيم - نسبة إلى جُرير بن عباد، أخي الحارث بن عباد، من بنى بكر بن وائل؛ يكنى أبا محمد. من كبار أصحاب الجنيد، وخلفه في مكانه؛ وصحب سهل بن عبد الله التستري. مات سنة إحدى عشرة وثلثمائة. قال ابن الجوزي في المنتظم: أحمد بن محمد بن الحسين أبو محمد الجريري سمع سرياً، وكان الجنيد يكرمه، وقيل له عند وفاته: إلى من نجلس بعدك ؟ فقال: إلى أبي محمد الجريري.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد أخبرنا الخطيب، أخبرنا عبد الكريم بن هوازن، قال: أخبرني محمد بن الحسين السلمي، قال: سمعت عبد الله الرازي، يقول: سمعت الجريري، يقول: منذ عشرين سنة ما مددت رجلي عند جلوسي في الخلوة، فإن حسن الأدب مع الله أولى.
(4) العجب كل العجب ممن يراقب من لا يراه ، فقد روي أن أبا حنيفة قال: ما مددت رجلي نحو دار أستاذي حماد؛ إجلالاً له. وكان بين داره وداره سبع سِكك.
ولله در مادحه حيث قال:

(5) قال ابن الجزري في غاية النهاية : محمد بن سيرين أبو بكر بن أبي عمرة البصري مولى أنس بن مالك رضي الله عنه إمام البصرة مع الحسن، وردت عنه الرواية في حروف القرآن، ولد لسنتين بقيتا من خلافة عثمان، روى عن مولاه وعن زيد بن ثابت وعمران بن حصين وعائشة وأبي هريرة وغيرهم رضي الله عنهم، وروى عنه الشعبي مع جلالته وتقدمه وثابت وقتادة وأيوب ومالك بن دينار وخلائق .
(6) قال شَبِيب بن شَيبة: اطلُبوا الأدب فإنّه مادًة للعَقْل؛ ودليل على المُروءة، وصاحب في الغُربة، ومُؤنس في الوَحشة، وحِلْية في المَجْلِس، ويجمع لكم القلوب المختلفة " (انظر العقد الفريد باب في أدب الجكماء والعلماء)